حكاية حبيب البصري وأميرة البحور
من زمن الخيال والحلم
زهرة عجيبة في كيس الزّنجبيل (حلقة 1 )
في قديم الزمان ،وسالف العصر والأوان عاش في البصرة تاجر توابل إسمه حبيب وكان له دكّان صغير في السّوق ورثه عن أبيه،ورغم ربحه القليل كان دائما يحمد الله ،أمّا أمه فلا تريد البقاء وحدها ،وتجلس معه تبيع وتشتري ،وفي المساء يقفلان الدّكان ويحملان حاجتهما من خضار، ودقيق ،وزيت ،ويعودان للدّار ،وكانت النّساء والبنات يحبّون تلك المرأة ،ولذلك يأتونها للشّراء ،ولمّا تكلمهن عن الزّواج من إبنها،فانهنّ يكتفين بالإبتسام، ولم توافق أيّ منهنّ، فلقد كان حبيب ولدا فقيرا ،وحتى الدّار التي تركها له أبوه هي خربة ،ولم يكن له ولأمّه النقود الكافية لإصلاح النّوافذ، وسدّ الشقوق ،وكم من مرّة طلب منها الكفّ عن إحراجه أمام بنات الحيّ ،وإلاّ تركها في الدّار ،لكنّ المسكينة كانت حزينة عل إبنها الذي كبر ،ولم يتزوّج كغيره من الفتيان الذي هم في سنّه ،وكان حبيب بارّا بأمّه ،ويخدمها ،وهي تدعو له دائما بالخير، وأن يرزقه بإبنة الحلال ،أحد الأيام جاءته امرأة ،وقالت له : لقد بعت لجارتي زنجيلا مرحيّا طيّب الرائحة ،ولقد أعطتني منه ،ولما وضعته في الطعام ،شفي زوجي من أوجاع معدته ،أمّا أنا فأشعر بأنّني أحسن حالا ،وأصفى لونا .
بعد قليل جاءت امرأة أخرى، وطلبت منه نفس الشّيئ ،وفي ساعة باع كلّ ما عنده من زنجبيل ،وتعجّب لذلك كثيرا ،فطول الوقت يبيع نفس البضاعة، ولم يحدث مثل هذا الإزدحام على دكّانه ،فأخذ ما بقي في الوعاء، وشمّه فوجد رائحة أخرى مع الزنّجيل لم يعهدها من قبل وحاول أن يعلم ما هي ،ورغم معرفته بكلّ أنواع التّوابل والأعشاب العطريّة ،إلا أنّه لم يهتد إليها ،فاحتار وسأل أمّه: لمّا رحيت الزّنجبيل هل أضفت له شيئا آخر ؟ أجابته: لقد إستعملت ما هو موجود عندنا في الدّهليز أسفل الدكان ،ولمّا نزل قلب الكيس على الأرض، وأخذ يفحص محتواه ،وفي الأخير وجد زهرة بيضاء مجفّفة ملتصقة بأحد جذور الزّنجبيل ،وكان لها نفس الرّائحة التي شمّها في الوعاء، وهي تذكّره بأزهار الرّوابي. تساءل: ما هي هذه النبتة العجيبة ؟ وكيف وصلت إلى هنا ؟ ،ثم قال :يجب أن أعرف إسم هذه الزهرة ،وأين تنبت،بعد ذلك خرج، وسأل كلّ النّاس التي تعرف النبات ،لكن لم يفده أحد بشيء ،وفي النهاية سأل ربّان السّفينة التي إشترى منها الزّنجبيل عن المكان الذي جاءت منه ،فردّ : من جزر الواقواق ،لما رجع الفتى ،قال لأمّه: يجب أن أسافر لتلك الجزر للبحث عن الزّهرة البيضاء، وإذا أردنا أن نربح، فعلينا الحصول عليها !!! الرّحلة تستغرق على الأقلّ شهرين، وحتّى عودتي ستهتمّين بالدّكان،هل أنت موافقة ؟
أجابت أمّه : ويحك ،ومن أين لك بالمال للسفر ؟ وذلك المكان بعيد لا يذهب إليه سوى كبار التّجار الذين لهم القدرة على شراء المراكب الضخمة ،إنزع هذه الفكرة من رأسك ،فإننا نجد بالكاد ما نأكله !!! لكنه بقي أيّاما وهو يجلس في ميناء البصرة يكلّم التّجار ،لعلّ أحدهم يحمله معه مقابل خدمته في هذه الرحلة الطويلة ،لكن تذرع الجميع بأنّ المراكب ممتلئة بالبضائع ،ولا يقدرون على إضافة شيئ لها ،جلس حبيب في ركن ،وأنشد :
آه يا زمان ،ما خطبك ؟
لماذا قسوتك ؟
لا الفرح يضحكنا
ولا السّعادة تعرفنا
...
نعيش لأنّه كتب علينا العيش
وعلى الأديم مسعانا
و تحته مثوانا
فيا ربّ أرزقني
أنا وأمّي وارحمنا
واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا
كان أحد التّجار واسمه عبد الصّمد مارّا قرب حبيب، وسمع شعره ،فرّق له قلبه ،وسأله عن سبب حزنه وبكائه ،فأخبره أنّه يريد الذهاب إلى الوقواق لجلب نبتة يربح منها في تجارته ،فأحوال دكانه سيئة ،ولا يوجد عنده المال لملئه بالبضاعة ،فقال له: سأحتال لحملك معي، لكن عليك أن تسمع كلّ ما أقوله لك ،ولا تخالفني !!! مسح حبيب دموعه ،وأجابه : لن تندم يا سيدي ،قال له : التجار لا يسمحون بطلوع أحد زائد فالطعام والماء على ظهر فالسفينة بالكاد يكفي ،وسأضعك في صندوق فيه سويق وتمر ،مع جملة بضاعتي وابق في مكانك ،وكل من ذلك الطعام ،هل فهمت ،والآن إذهب لتوديع أمّك واحمل لها هذه الصّرة من الدراهم، وارجع مع الفجر ،هيّا ،وكان الله في العون ...
...
يتبع الحلقة 2